سورة الكهف - تفسير تفسير البيضاوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الكهف)


        


{وكذلك أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ} وكما أنمناهم وبعثناهم لتزداد بصيرتهم أطلعنا عليهم. {لِيَعْلَمُواْ} ليعلم الذين أطلعناهم على حالهم. {أَنَّ وَعْدَ الله} بالبعث أو الموعود الذي هو البعث. {حَقّ} لأن نومهم وانتباهم كحال من يموت ثم يبعث. {وَأَنَّ الساعة لاَ رَيْبَ فِيهَا} وأن القيامة لا ريب في إمكانها، فإن من توفى نفوسهم وأمسكها ثلاثمائة سنين حافظاً أبدانها عن التحلل والتفتت، ثم أرسلها إليها قدر أن يتوفى نفوس جميع الناس ممسكاً إياها إلى أن يحشر أبدانهم فيردها عليها. {إِذْ يتنازعون} ظرف ل {أَعْثَرْنَا} أي أعثرنا عليهم حين يتنازعون. {بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ} أمر دينهم، وكان بعضهم يقول تبعث الأرواح مجردة وبعضهم يقول يبعثان معاً ليرتفع الخلاف ويتبين أنهما يبعثان معاً، أو أمر الفتية حين أماتهم الله ثانياً بالموت فقال بعضهم، ماتوا وقال آخرون ناموا نومهم أول مرة، أو قالت طائفة نبني عليهم بنياناً يسكنه الناس ويتخذونه قربة، وقال آخرون لنتخذن عليهم مسجداً يصلى فيه كما قال تعالى: {فَقَالُواْ ابنوا عَلَيْهِمْ بنيانا رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الذين غَلَبُواْ على أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَّسْجِدًا} وقوله: {رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ} اعتراض إما من الله رداً على الخائضين في أمرهم من أولئك المتنازعين أو من المتنازعين في زمانهم، أو من المتنازعين فيهم على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، أو من المتنازعين للرد إلى الله بعد ما تذكروا أمرهم وتناقلوا الكلام في أنسابهم وأحوالهم فلم يتحقق لهم ذلك. حكي أن المبعوث لما دخل السوق وأخرج الدراهم وكان عليها اسم دقيانوس اتهموه بأنه وجد كنزاً فذهبوا به إلى الملك وكان نصرانياً موحداً فقص عليه القصص، فقال بعضهم: إن آباءنا أخبرونا أن فتية فروا بدينهم من دقيانوس فلعلهم هؤلاء، فانطلق الملك وأهل المدينة من مؤمن وكافر وأبصروهم وكلموهم، ثم قالت الفتية للملك نستودعك الله ونعيذك به من شر الجن والإِنس ثم ارجعوا إلى مضاجعهم فماتوا فدفنهم الملك في الكهف وبني عليهم مسجداً. وقيل لما انتهوا إلى الكهف قال لهم الفتى مكانكم حتى أدخل أولاً لئلا يفزعوا، فدخل فعمي عليهم المدخل فبنوا ثم مسجداً.


{سَيَقُولُونَ} أي الخائضون في قصتهم في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب والمؤمنين. {ثلاثة رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ} أي هم ثلاثة رجال يربعهم كلبهم بانضمامه إليهم. قيل هو قول اليهود وقيل هو قول السيد من نصارى نجران وكان يعقوبياً. {وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ} قاله النصارى أو العاقب منهم وكان نسطورياً. {رَجْماً بالغيب} يرمون رمياً بالخبر الخفي الذي لا مطلع لهم عليه وإتياناً به، أو ظناً بالغيب من قولهم رجم بالظن إذا ظن وإنما لم يذكر بالسين اكتفاء بعطفه على ما هو فيه. {وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ} إنما قاله المسلمون بإخبار الرسول لهم عن جبريل عليهما الصلاة والسلام وإيماء الله تعالى إليه بأن أتبعه قوله: {قُل رَّبّى أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ} وأتبع الأولين قوله رجماً بالغيب وبأن أثبت العلم بهم لطائفة بعد ما حصر أقوال الطوائف في الثلاثة المذكورة، فإن عدم إيراد رابع في نحو هذا المحل دليل العدم مع أن الأصل ينفيه، ثم رد الأولين بأن أتبعهما قوله: {رَجْماً بالغيب} ليتعين الثالث وبأن أدخل فيه الواو على الجملة الواقعة صفة للنكرة تشبيهاً لها بالواقعة حالاً من المعرفة، لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف والدلالة على أن اتصافه بها أمر ثابت. وعن علي رضي الله عنه هم سبعة وثامنهم كلبهم وأسماؤهم: يمليخا ومكشلينيا ومشلينيا هؤلاء أصحاب يمين الملك، ومرنوش ودبرنوش وشاذنوش أصحاب يساره وكان يستشيرهم، والسابع الراعي الذي وافقهم واسم كلبهم قطمير واسم مدينتهم أفسوس. وقيل الأقوال الثلاثة لأهل الكتاب والقليل منهم. {فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَاءً ظاهرا} فلا تجادل في شأن الفتية إلاَّ جدالاً ظاهراً غير متعمق فيه، وهو أن تقص عليهم ما في القرآن من غير تجهيل لهم والرد عليهم. {وَلاَ تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مّنْهُمْ أَحَداً} ولا تسأل أحداً منهم عن قصتهم سؤال مسترشد فإن فيما أوحي إليك لمندوحة من غيره، مع أنه لا علم لهم بها ولا سؤال متعنت تريد تفضيح المسؤول وتزييف ما عنده فإنه مخل بمكارم الأخلاق.


{وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَئ إِنّى فَاعِلٌ ذلك غَداً إِلاَّ أَن يَشَاء الله} نهي تأديب من الله تعالى لنبيه حين قالت اليهود لقريش: سلوه عن الروح وأصحاب الكهف وذي القرنين، فسألوه فقال: «ائتوني غداً أخبركم» ولم يستثن فأبطأ عليه الوحي بضعة عشر يوماً حتى شق عليه وكذبه قريش. والاستثناء من النهي أي ولا تقولن لأجل شيء تعزم عليه إني فاعله فيما يستقبل إلا ب {أَن يَشَاء الله} أي إلا ملتبساً بمشيئته قائلاً إن شاء الله أو إلا وقت أن يشاء الله أن تقوله بمعنى أن يأذن لك فيه، ولا يجوز تعليقه بفاعل لأن استثناء اقتران المشيئة بالفعل غير سديد واستثناء اعتراضها دونه لا يناسب النهي {واذكر رَّبَّكَ} مشيئة ربك وقل إن شاء الله. كما روي أنه لما نزل قال عليه الصلاة والسلام: «إن شاء الله» {إِذَا نَسِيتَ} إذا فرط منك نسيان لذلك ثم تذكرته. وعن ابن عباس ولو بعد سنة ما لم يحنث، ولذلك جوز تأخير الاستثناء عنه. وعامة الفقهاء على خلافه لأنه لو صح ذلك لم يتقرر إقرار ولا طلاق ولا عتاق ولم يعلم صدق ولا كذب، وليس في الآية والخبر أن الاستثناء المتدارك به من القول السابق بل هو من مقدر مدلول به عليه، ويجوز أن يكون المعنى واذكر ربك بالتسبيح والاستغفار إذا نسيت الاستثناء مبالغة في الحث عليه، أو اذكر ربك وعقابه إذا تركت بعض ما أمرك به ليبعثك على التدارك، أو اذكره إذا اعتراك النسيان ليذكرك المنسي. {وَقُلْ عسى أَن يَهْدِيَنِ رَبّى} يدلني. {لأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَدًا} لأقرب رشداً وأظهر دلالة على أني نبي من نبأ أصحاب الكهف. وقد هداه لأعظم من ذلك كقصص الأنبياء المتباعدة عنه أيامهم، والإِخبار بالغيوب والحوادث النازلة في الأعصار المستقبلة إلى قيام الساعة، أو لأقرب رشداً وأدنى خيراً من المنسي.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8